الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والتَّعْريضُ في اللغة: ضدُّ التصريح، ومعناه: أن يضمِّن كلامَهُ ما يصلحُ للدَّلالة على مقصُوده، ويصلُحُ للدَّلالة على غير مقصُوده، إلا أن إشعَاره بجانب المقصُود أتَمُّ وأرجحُ.وأصلُهُ مِنْ عُرض الشيء، وهو جانبُهُ؛ كأنَّه يحوم حولَهُ؛ ولا يظهر، ونظيره أن يقول المُحتاج للمحتاج إليه: جئتُكَ لأُسلمَ عَلَيك، ولأنْظر إلى وجهك الكريم؛ ولذلك قال: الطويل: والتعريض قد يُسمَّى تلويحًا؛ لأنَّه يَلُوحُ منه ما يريدُه، والفرقُ بين الكناية والتعريض: أنَّ الكناية ذكرُ الشَّيء بذكر لوازمه؛ كقولك فلانٌ طويلُ النجادِ، كثيرُ الرماد؛ لأنَّ النجاد عبارةٌ عن حَمِيلَةِ السَّيفِ، إذا كانت حميلةُ سيفهِ طويلةً، لزم منه أن يكونَ الرَّجُل طويلًا، وكذلك إذا كان كثير الرمَادِ، لزم منه أن يكون كثير الطَّبخ للأَضياف، وغيرهم، والتعريضُ أنْ يذكر كلامًا يحتمل المقصُود وغيره، إلاَّ أنَّ قرينة الحال تؤكِّد حمله على المقصُود.وقال الفراء: الخِطْبَةُ مصدرٌ بمعنى الخَطْب، وهي مثل قولك: إِنَّه لَحَسَنُ القِعْدةِ والجِلْسَةِ تريد: القُعُود والجُلُوس والخطبَةُ مصدرٌ في الأصل بمعنى الخَطْبِ، والخَطْب: الحاجة، ثم خُصَّت بالتماس النكاح؛ لأنه بعضُ الحاجات، يقال: ما خَطْبُكَ؟ أي: ما حاجتُك.وفي اشتقاقه وجهان:الأول: الأمر والشأن يقال ما خطبُكَ؟ أي: ما شأنُكَ؟ فقولهم: خَطَبَ فلانٌ فُلانَةً، أي: سَأَلَهَا أَمرًا وشأنًا في نفسِها.والثاني: أصلُ الخِطْبة من الخطابة الَّذي هو الكلامُ، يقال: خَطَبَ المرأة، أي: خاطبها في أمر النِّكاح، والخطب: الأمر العظيم؛ لأنَّه يحتاجُ لخطاب كثيرٍ.والخطبة بالضَّم، الكلامُ المشتملُ على الوعظِ والزَّجرِ، وكلاهما من الخَطْبِ الذي هو الكلامُ، وكانت سَجاح يُقال لها خِطْبٌ فتقول: نِكْحٌ.قوله تعالى: {مِنْ خِطْبَةِ النساء} في محلِّ نصبٍ على الحالِ، وفي صاحبها وجهان:أحدهما: الهاءُ المجرورةُ في بِهِ.والثاني: مَا المجرورة بفي، والعاملُ على كِلا التقديرين محذوفٌ، وقال أبو البقاء: حالٌ من الهاءِ المجرورةِ، فيكونُ العاملُ فيه {عَرَّضْتُمْ}، ويجوزُ أن يكونَ حالًا من مَا فيكونُ العاملُ فيه الاستقرارَ.قال شهاب الدين: وهذا على ظاهره ليس بجيِّدٍ؛ لأنَّ العاملَ فيه محذوفٌ؛ على ما تقرَّر، إلا أَنْ يريدَ من حيث المعنى لا الصناعةُ، فقد يجوزُ له ذلك.والخِطبة بكسر الخاء- فعلُ الخاطِب-: من كلام وقصدٍ، واستلطافٍ، بفعل أَو قولٍ.يقال: خطبها يخطبها خطبًا، أو خطبةً، ورجل خَطّاب كثيرُ التصرفِ في الخطبةِ، والخطيبُ: الخاطِبُ، والخِطِّيبَى: الخِطْبة، والخطبة فعلهُ: كجلسةٍ، وقعدةٍ، وخُطبة- بضمِّ الخاءِ- هي الكلامُ الذي يقال في النكاح، وغيره.قال النحاس: والخُطبة ما كان لها أَوَّل وآخر، وكذلك ما كان على فعله، نحو الأَكلة، والضَّغطَة.
وقول الآخر- هو الأعشى-: الطويل: وقال الفرزدق: الطويل: أي: الذي شَغفه بهن، يعني: أنهنَّ عفائفُ يمنعن الجماعَ إلاَّ من أَزواجِهِنَّ؛ وقال امرؤ القيس: الطويل: قوله: {إِلاَّ أَن تَقُولُواْ} في هذا الاستثناءِ قولان:أحدهما: أنه استثناءٌ منقطع؛ لأنه لا يندرج تحت سِرّ على أيِّ تفسيرٍ فَسَّرْتَه به، كأنه قال لكنْ قولُوا قولًا معروفًا.والثاني: أنه متصلٌ، وفيه تأويلان ذكرهما الزمخشري فإنه قال: فَإِنْ قلتَ: بِمَ يَتَعَلَّقُ حرفُ الاستثناء؟ قلتُ: ب {لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ}، أي: لا تواعِدُوهُنَّ مواعدةً قطٌّ إلا مواعدةً معروفةً غيرَ مُنْكَرَةٍ، أو لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ إلا بأَنْ تقولوا، أي: لا تواعِدُوهُنَّ إلاَّ بالتعريضِ، ولا يكونُ استثناءً منقطعًا من سِرًّا؛ لأدائِهِ إلى قولك: {لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ إلاَّ التعرِيضَ} انتهى، فجعلَهُ استثناءً متصلًا مُفَرَّغًا على أحدِ تأويلين:الأول: أنه مستثنىً من المصدرِ؛ ولذلك قدَّره: لا تواعِدُوهُنَّ مواعدةً إلاَّ مواعدةً معروفةً.والثاني: أنه من مجرور محذوفٍ؛ ولذلك قَدَّره بإِلاَّ بَأَنْ تَقُولُوا؛ لأنَّ التقدير عنده: لا تُوَاعِدُوهُنَّ بشيءٍ، إلا بَأَنْ تقولُوا، ثم أَوْضَحَ قوله بأنْ تَقُولُوا بالتعريض، فلمَّا حُذِفَت الباءُ من أَنْ، وهي باءُ السببيةِ بقي في أَن الخلافُ المشهورُ بعد حذفِ حرفِ الجرِّ، هل هي في محلِّ نصبٍ أم جَرٍّ؟ وقوله: لأدائِهِ إلى قولك... إلى آخره يعني أنه لا يصِحُّ تسلُّط العامِل عليه، فإنَّ القولَ المعروفَ عندَهُ المرادُ به التعريضُ، وأنت لو قلْتَ: لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ إِلاَّ التَّعْرِيض ليس مواعدًا.وردَّ عليه أبو حيان: بأنَّ الاستثناء المنقطع ليس مِنْ شرطِهِ صحَّةُ تسلُّطِ العامِل عليه، بل هو على قسمين: قسم يَصِحُّ فيه ذلك، وفيه لغتان: لغةُ الحجازِ وجوبُ النصب مطلقًا، نحو: مَا جَاءَ أَحَدٌ إِلاَّ حِمَارًا ولغةُ تميم إجراؤه مجرى المتصل، فيجرونَ فيه النصبَ والبدلية بشرطه.وقِسْم لا يصحُّ فيه ذلك، نحو: مَا زَادَ إِلاَّ مَا نَقَصَ، ومَا نَفَعَ إِلاَّ مَا ضَرَّ، وحكمُ هذا النّصبُ عند العرب قاطبةً، فالقسمان يشتركان في التقديرِ بلَكِنْ عند البصريين، إلاَّ أنَّ أحدهما يصحُّ تسلُّط العامِل عليه في قولك: مَا جَاءَ أَحَدٌ إِلاَّ حِمَار لو قلت: مَا جَاءَ إِلاَّ حِمَارٌ، صَحَّ؛ بخلافِ القسمِ الثاني؛ فإنَّه لا يتوجَّه عليه العامل وقد تقدم البحثُ في مثل هذا كثيرًا.قوله: {عُقْدَةَ} في نصبه ثلاثة أوجه:أحدها: أنه مفعولٌ به على أنه ضمَّن عَزَمَ معنى ما يتعدَّى بنفسه، وهو: تَنْوُوا أو تُبَاشِرُوا، ونحو ذلك.والثاني: أنه منصوبٌ على إسقاط حرف الجر، وهو عَلَى؛ فإنَّ عَزَمَ يتعدَّى بها، قال: الوافر: وحذفها جائز، كقول عنترة: الكامل: أي: وَأَظَلُّ عليه.والثالث: أنه منصوبٌ على المصدر؛ فإنَّ المعنى: ولا تعقدوا عقدة؛ فكأنه مصدرٌ على غير الصَّدر؛ نحو: قعدت جلوسًا، والعقدة مصدرٌ مضاف للمفعول، والفاعل محذوفٌ، أى: عُقْدتكم النِّكاح.قوله تعالى: {حتى يَبْلُغَ الكتاب أَجَلَهُ} في الكتاب وجهان:أحدهما: أن المراد به المكتوب، والمعنى: حتى تبلغ العدَّة المفروضة آخرها.الثانى: أن يكون المراد الكتابَ نفسه، لأنه في معنى الفرض؛ كقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} [البقرة: 183] فيكون المعنى: حتى يبلغ هذا التكليف آخره ونهايته، وقال تعالى: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103] أى: مفروضة.قال القرطبى: وقيل: في الكلام حذف، أى: حتى يبلغ فرض الكتاب أجله، فالكتاب على هذا المعنى بمعنى القرآن.ثم قال تعالى: {واعلموا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في أَنْفُسِكُمْ} وهذا تنبيه على أنّه تعالى لمّا كان عالمًا بالسرّ، والعلانية؛ وجب الحذر منه في السرِّ، والعلانية، فالهاء في {فاحذروه} تعود على الله تعالى، ولابد من حذف مضاف، أى: فاحذروا عقابه.ويحتمل أن تعود على مَا في قوله: {مَا في أَنْفُسِكُمْ} بمعنى ما في أنفسكم من العزم على ما لا يجوز، قاله الزمخشريُّ.ثم قال: {واعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ} أي: لا يعجِّل بالعقوبة. اهـ. باختصار.
|